المساجد في رمضان هذه السنة في عطلة استثنائية فرضتها ظروف الجائحة و المخاوف من الوباء و الإحتياطات الظرفية التي نحترمها و نذعن لها كمسؤولية مدنية و إجتماعية لكل فرد منا . لكن يبقى و للأسف ، رمضان بلا مساجد كورود بلا رائحة .
نعم ، تلعب المساجد دورا مهما ، كما لعبته في الماضي القريب ، في حشد همم المسلمين و حثهم على إقامة الصلاة و الإجتهاد في أداء التراويح و المنافسة على ذلك .
ايضا تصبح المساجد في هذه الفترة ساحة للمنافسة على إلقاء الدروس المنظمة و استنهاض همم المسلمين و و تجدبد إيمانهم و نصحهم ، حيث تساهم في تعليمهم قواعد دينهم و دفعهم إلى المسارعة نحو التقرب إلى الله بشتى أنواع العبادات . من أداء النوافل، إلى قرائة القرأن و ختما بالإنخراط في مساعدة الفقراء و المساكين و المحتاجين و مأزرتهم .
إنه الشهر الذي تتكرس فيه العدالة الإلاهية، فيتذوق فيه الغني و الفقير على حد السواء، قساوة الجوع رغم الفوارق المادية و التباعد الطبقي . فيشعر البعض بمعاناة البعض الأخر في جو من المأزرة و تقاسم المشاعر.
لكن هل نستسلم هذه السنة، و نقيد عزائمنا و نرضى بالإكتفاء بما قل و دل من عبادات .؟
رمضان مساحة زمنية ، و سوق يباع فيه و يشترى .تبيع فيه أعمالك بمقابل ثمين لن تحصل عليه طول السنة أو طول حياتك ربما . الأعمال بعشر إأضعافها أو يزيد
الحرف من القرأن بأجر 10 أحرف قرائة . الركعة بعشر ركعات أو أكثر . لكن هذا قليل إن أدركت السوق المركزي و الأهم و الذي لا تعلم يومه بالضبط ، إلا و هو ليلة القدر؛ حين تباع السلع بأتمنة خيالية لا يقدر ثمنها إلا خالقنا. قد يكون ثمن سلعتك دخولك الجنة ، و عتقك من النار.
هل بعد هذا، تركن للخمول و الكسل ؟ . لا اظن .ذلك
من عجائب القدر و حكم الله التي لا تحصى أن الله يقدر لك في هذا الشهر رزقك و احوالك للسنة القادمة بمقدار إجتهآدك و جدك في هذا الشهر الكريم . بل إن الله يحدد من يغادر سفينة الدنيا السنة المقبلة إلى الدار الأخرة ، و يقرر من من سيظلون في رحلة الحياة لسنوات أخرى .
هل تضمن بقائك؟ لا أحد يضمن حاضره ، فما بال مستقبله.
رمضان ليس شهرا عاديا . هو شهر النجاح الحقيقي بامتياز ، إن كان النجاح في الحياة يقاس بمقدار قربك من خالقك و هو كذلك المقياس الصحيح .
إن كنت تفني حياتك و تسهر الليالي و تكد و تجد من أجل منصب فان أو مال غابر أو سعادة أفلة و غير دائمة أو ملك يبلى ، أو قصر يرثه من يخلفك ، فما بالك بعمل في شهر واحد أو في ليلة كليلة القدر ، قد توقع نجاحك الأبدي بين يدي خالقك، لا يضاهيه أي نجاح دنيوي غابر .
هل تعلم أن أكثر ما يندم عليه المؤمنون و يتحسرون عليه عند خالقهم في الجنة هو ساعة أو زمن ، بدروه و ضيعوه في لهو و لعب عوض عبادة أو عمل يتقربون به إليه .
أنا لا أنكر دور الدنيا و لا افند أهميتها ، لكن في حدود التوازن الذي يضمن لك نجاحك الدائم مع خالقك، و الذي هو أصلا سبب وجودك في هاته الدنيا ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون – صدق الله العظيم ). بل إن تقربك من خالقك عبادة و عملا و خلقا قد يضمن لك أيضا نصيبك من الدنيا حتما ، مصداقا لقوله عز و جل :
( من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب )
إذا علمت كل ذلك ، فليس لك إلا خيار واحد ؛ و هو حشد همم من حولك من أسرتك و اقاربك و تحويل بيتك إلى مسجد مؤقت يملؤ فراغ المساجد الكبرى .عليك أن تجعله يؤدي دوره بامتياز في أداء النوافل و التراويح و قرائة القرأن و تعليم الناشئة ما غفلوا عنه من أمور دينهم طوال السنة . و العودة للمنافسة على أعمال الخير و التقرب إلى الله بكل ما يحب ..
سوق رمضان سوق لا يفنى أجره ، سلعتك تباع و يشتريها على الفور أفضل زبون في هذا الكون، ألا و هو الله عز و جل. ثمنها و قيمتها أبدية و تزداد، بأضعاف ما قد تزيده المضاربات في بورصة الدنيا ،مع انعدام أي احتمال و لو بصيص للنقصان.
ثمنها يؤده الخالق لك في الدنيا و الأخرة مع ا؛ و هو ما لا يمكن لأي زبون أن يمنحك إياه . على وجه الوجود .
صدقني يا أخي و تقبل نصيحتي ، و لنتدافع فيما بيننا على قدر ضعفنا جميعا ، للنيل من هذا الرحيق المختوم و من نفحات هذا الشهر الكريم، فرب يوم أو ليلة عبادة ، تختزل جهدك و حياتك و تكتب نجاحك الأبدي و الحقيقي بماء من ذهب.