يقول الكاتب الأمريكي كريستيان بارينتي ان التغير المناخي في العالم سيؤدي إلى صراعات عنيفة في كثير من الدول التي تقع في ما أسماه ‘مدار الفوضى’، وان هذا سيؤثر في نحو ثلاثة مليارات نسمة.
وحذر من ان ذلك سيزيد في فقر ومشكلات جزء كبير من العالم، وان الدول الغنية لن تسطيع بالقوة ان تحصر بلدان العالم الفقيرة في عالمها البائس، ما قد يعني ان العالم كله سيغرق في البؤس في نهاية الأمر.كان الكاتب والصحافي الأمريكي يتحدث في كتابه ‘مدار الفوضى .. التغير المناخي والجغرافيا الجديدة للعنف’ الذي صدر في العربية بترجمة الأكاديمي السوري الدكتور سعد الدين خرفان.
جاء الكتاب في 319 صفحة متوسطة القطع، وصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في دولة الكويت في نطاق سلسلة ‘عالم المعرفة’.
وتحت عنوان رئيسي هو (آخر دعوة للاوهام) كتب بارينتي يقول ‘بين مدار الجدي ومدار السرطان يقع ما أدعوه مدار الفوضى، وهو عبارة عن حزام من دول مستقلة حديثا متأزمة إقتصاديا وسياسيا تطوق خطوط عرض الأرض الوسطى’.
وأضاف ‘في هذا الشريط بين المدارين بدأ التغير المناخي يضرب بقسوة. تعتمد المجتمعات ضمن هذا الشريط بقوة على الزراعة وصيد الأسماك، وبالتالي فهي مهددة جدا بالإنزياحات في أنماط الطقس. كانت هذه المنطقة أيضا على الخطوط الأمامية أثناء الحرب الباردة وإعادة الهيكلية الإقتصادية على الطريقة الليبرالية الجديدة. ونتيجة لذلك نجد في هذا الحزام تجمعا لمعظم الدول الفاشلة او شبه الفاشلة في العالم’.
وتابع يقول انه بحسب دراسة حكومية سويدية فإن ‘هناك 46 دولة يعيش فيها 2.7 مليار إنسان مهددة بنشوب صراعات عنيفة فيها نتيجة تأثيرات التغير المناخي وتفاعلها مع المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية’.
وتغطي القائمة في هذه الدراسة المنطقة ذاتها: خطوط العرض المتوسطة التي يتأثر معظمها الآن ببدء التغير المناخي الناجم عن النشاطات البشرية.
يقول الكاتب ‘يدرك مخططون عسكريون غربيون، إن لم يكن زعماء سياسيون، أخطار تجمع الإضطراب السياسي مع تغير المناخ. وبدلا من القلق حول حروب تقليدية على الغذاء والماء فهم يرون بروز جغرافيا مكونة من حروب أهلية وتدفقات لاجئين ومذابح جماعية وإنهيارات إجتماعية مدفوعة كلها مناخيا. وإستجابة لذلك يتصورون مشروعا مفتوحا لمكافحة التمرد يطبق على المستوى العالمي’.
وتحت عنوان فرعي هو (التخفيف والتكيف) كتب الباحث يقول ‘كلمتا السر في النقاش حول المناخ هما التخفيف والتكيف.. أي أن علينا ان نخفف من مسببات التغير المناخي، وأن نتكيف مع تأثيراته. يعني التخفيف تخفيض إنتاجنا بشكل كبير من غاز اُكسيد الكربون وغازات الدفيئة الاُخرى كالميثان والكلوروفوركربون التي تمنع حرارة الشمس من الإرتداد بالاشعاع إلى الفضاء، أو ما يعرف بظاهرة الإحتباس الحراري.
‘ويعني التخفيف التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة الحركية للمد والجزر. وهو يعني إغلاق محطات الطاقة العاملة بالفحم الحجري، وتحويل إقتصادنا من الإعتماد على النفط، وبناء شبكة كهرباء ذكية، والإستثمار الضخم في تقانات إلتقاط الكربون وتخزينه’.
أما التكيف ‘فيعني التهيؤ للعيش مع التأثيرات الناجمة عن التغير المناخي، التي بدأ بعضها فعلا، بينما سيأتي البعض الآخر حتما. إن التكيف هو تحد تقني وسياسي أيضا. يعني التكيف التقني تحويل علاقتنا بالطبيعة مع تغير الطبيعة نفسها: ان تعلم العيش مع الضرر الذي جلبناه على أنفسنا عن طريق بناء جدران صد بحرية حول المدن الساحلية المهددة، وإعادة تهيأة الارض لنمو أشجار المنغروف والنباتات المائية، بحيث تعمل على كسر إندفاعات المد خلال عاصفة ضخمة، وفتح ممرات لهجرة الأحياء البرية للانتقال شمالا مع سخونة المناخ، وتطوير أشكال مستدامة من الزراعة بحيث تعمل على مستوى صناعي حتى مع تذبذب واسع لأنماط الطقس′.
وتابع القول انه ‘من جهة اُخرى يعني التكيف الأساسي تحول علاقة البشرية بنفسها وتحويل العلاقات الإجتماعية بين الناس. يعني التكيف السياسي الناجح مع التغير المناخي تطوير أساليب جديدة لإحتواء العنف الذي يتغذى على التغير المناخي وتجنبه وتخفيفه. ويتطلب هذا تنمية إقتصادية واعادة توزيع الثروة كما يتطلب أيضا دبلوماسية جديدة لبناء السلام’.
إلا انه حذر من إحتمالات اُخرى تتناقض مع ما ذكر يجري درس تطبيقها، وقال ‘ومع ذلك يجري بالفعل نوع آخر من التكيف السياسي يمكن ان يدعى ، سياسة زورق النجاة المسلح، حيث يجري الإستعداد للتغير المناخي بالتسلح والإستعباد والإهمال والقمع والسيطرة والقتل’.
ويضيف ‘يمكن للمرء ان يتصور بروز سلطوية “خضراء” في الدول الغنية، بينما تدفع الأزمة المناخية العالم الثالث نحو الفوضى.ومسبقا بينما يغذي التغير المناخي العنف على شكل جريمة وقمع وعصيان مدني وحرب وحتى إنهيار الدولة في عالم الجنوب الفقير، يستجيب الشمال الغني بسلطوية جديدة. يخطط البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) مع حلفائه الغربيين بشكل نشط لتكيف مسلح يؤكد على إحتواء بعيد الأمد ومفتوح لدول فاشلة او في سبيلها إلى الفشل – أي مكافحة تمرد مستمرة إلى الأبد’.
وقال ان ‘هذا النوع من الفاشية المناخية، وهي سياسة مبنية على الاستعباد والفصل والقمع، سياسة بشعة جدا ومصيرها الفشل. لابد من وجود مسار آخر. لا يمكن للدول المتعبة في عالم الجنوب ان تنهار من دون ان تأخذ في النهاية الإقتصادات الغنية معها. إذا سمح للتغير المناخي أن يحطم إقتصادات ودولا بأكملها، فلا يمكن لاي كمية من الجدران، والمدافع، والأسلاك الشائكة، والطائرات المسلحة بلا طيار، أو إستخدام المرتزفة، أن تنقذ بشكل دائم نصف العالم من نصفه الآخر’.
وقال ‘أستعرض ما الذي يجب عمله. اُحاجج بأن الطريقة الأفضل لمعالجة تأثيرات التغير المناخي هي معالجة الأزمات الإقتصادية والسياسية التي جعلتنا معرضين لفوضى محرضة مناخيا في المقام الاول. لكن يبقى التخفيف في نهاية المطاف أهم إستراتيجية. التأثيرات الفيزيائية للتغير المناخي – إرتفاع مستوى سطح البحر والتصحر والعواصف الاستثنائية والفيضانات – مخيفة حقا، لكن كذلك هي نواحي التكيف الإجتماعي والسياسي الناشئة، التي غالبا ما تتخذ اشكالا مدمرة وقمعية. علينا ان نغير ذلك. في النهاية فإن أهم شيء هو التخفيف. علينا ان نزيل كربنة إقتصادنا (أي جعله شديد الإعتماد على الكربون)’.مصدر المقال : القدس العربي 2014.