لا شك أن العلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، فبالعلم تُبنى الأمم وتتقدم، ويساعد على النهوض بالأمم المتأخرة، ويقضي على التخلف والرجعية والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور التي تؤخر الأمة، فالعلم من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب وغيرها، ومن هذا السياق: ما هي أهمية العلم والبحث العلمي؟ وما هي أهمية العلم في الدين الإسلامي؟
العلم كأهم ضروريات الحياة:
يؤكد الدكتور سعيد عبدالرحمن – أستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس -: أن العلم هو أحد مقومات الحياة؛ فهو ضرورة من ضرورياته كالمأكل والمشرب والنوم وغيرها، وهو العمود الأساسي في تطور المجتمع، وإنتاج وسائل يستطيع الإنسان من خلالها مواكبة العصور المزدهرة، وتنشئة مستقبل مشرق له ولعائلته، لافتًا إلى أن العلم يتلخص في قسمين أو شيئين: العلم التاريخي، وهو العلم الذي يستمده الشخص ويتناقله عبر الأجيال، ومن ثقافة أجداده وآبائه، فهو ليس علمًا مكتسبًا في هذه اللحظة، أو سوف يُكتسب في المستقبل، ولكنه موجود بالفعل بوجود الأجداد والآباء، ومن الثقافة التي توارثتها الأجيال عبر الزمان، وأما العلم المعاصر، فهو العلم الحديث والضروري لبلوغ غاية هذه الحياة، ولمعرفة مدى تطوراتها، ومسايرة العالم لكي يستطيع الإنسان العيش فيه، كما أنه يكتسب علمًا غزيرًا، ويزيد من خلفيته التعليمية والعلمية في هذا المجال.
وأضاف عبدالرحمن: العلم لا يُكتسب بمجرد إرادة الإنسان ذلك، أو بمجرد إعجاب الفرد بالعلم والتعليم، وبذلك يصبح عالمًا، لكن هناك مقومات ووسائل، تساعد على اكتساب العلم، سواءٌ في العصر القديم أو في العصر الحديث، ومن أهمها: الأسرة، وهي المقوم الأساسي والركيزة الأساسية في معرفة الإنسان بشتى نواحي الحياة، وأيضًا في المحافظة على هذه المعرفة وتنميتها، والإنترنت والحاسب الآلي، أو بشكل عام وسائل التكنولوجيا، والوسائط التقنية الحديثة التي تساعد الإنسان على اكتشاف معلومات أكثر وأكثر، وتوفير ما يريده، حيث سُمي هذا العصر بثورة المعلومات، وأيضًا التلفاز والمكتبات العامة التي تساعد على تحصيل أكثر للعلم، وبالتالي يجب علينا نحن – الجيل الحالي – أن نحافظ على هذا التراث العظيم من المعلومات، والإضافة إليه، بل وإضافة المزيد من ثورات المعلومات؛ حتى نتقدم ونزدهر ونصبح كدول العالم الحديثة.
وأوضح أستاذ كلية التربية بجامعة عين شمس: أن أهمية العلم لا تتوقف على تحصيل المعلومات فقط؛ بل تتعدى إلى ما بعد ذلك بمراحل، فالعلم نور كما يُقال، ونور الله لا يُؤتى لعاصٍ، فهو شعلة الأمم ونورها الذي يُضيء الكون، فهو يصنع الحياة الكريمة الراقية، وبالعلم تنهض الأمم، وتتحضر الشعوب، وبالعلم فقط نستطيع أن نقضي على الأمية المتفشية في بلاد العالم، وتعليم العالم حقوقه وواجباته، والتخلص من الفقر والجهل، وبالعلم يستطيع الإنسان كسر الحواجز، والتخلص من الأزمات التي يقع فيها.
البحث العلمي: الوجه الحقيقي لتقدم العلم وبناء المجتمع:
كما يقول الدكتور أحمد زارع – الأستاذ بجامعة الأزهر -: لا يستطيع أحد أن يُنكر أن النمو الاجتماعي والاقتصادي في أي دولة من الدول مرتبط بالعلم، ولا يُنكر كذلك دوره في التقدم والنهوض بالدول، والبحث العلمي هو أحد أهم مستحدثات العلم الحديث الذي يساعد على تطور المجتمع؛ لأنه الركيزة الأساسية في تطور أي مجتمع؛ لأنه إذا أردت أن تعرف وتقيس تطور أي مجتمع، فلا بد أن تنظر إلى مستواه العلمي بجانب المستوى التربوي، بالإضافة إلى أن البحث العلمي لا تظهر أهميتُه الكبيرة إلا في المجتمعات التي تمتلك مشكلات حقيقية، وقضايا مختلفة، وخاصة في الدول النامية الفقيرة التي تتعدد بها المشكلات والقضايا الحياتية والاجتماعية؛ كالإسكان، والبيئة، والزارعة، والنقل، والتلوث، فمن هنا يأتي دور البحث العلمي لتقديم المساعدة من خلال الدراسات التحليلية والميدانية، والأبحاث الكثيرة المستمرة عبر سنين، والذي يتمكن في نهاية الأمر من إيجاد حلول حقيقية لتلك المشكلات؛ حيث يتم القضاء عليها نهائيًّا، وبالتالي يؤدي العلم غرضه المطلوب منه في هذا الشأن طبقًا لمقولة: “إن غرض العلم والتعلم هو التحكم بعناصر الطبيعة واستغلالها لصالح الإنسان”.
وأكد زارع على أن البحث العلمي حاليًّا هو الأكثر تحقيقًا للنجاح، والقضاء على المشكلات العصرية التي تواجهها الأمم في هذا الوقت الراهن، وخاصة المشكلات المتعارف عليها، والتي تعاني منها المجتمعات؛ كالجوع والفقر والأمية والتخلف والمرض والجهل وغيرها، وبالتالي فإن نجاح البحث العلمي في مجتمعٍ ما يعني تقليل الفجوة بين الدول الفقيرة والدول المتقدمة تكنولوجيًّا وعلميًّا، وذلك من خلال أن نجاح البحث العلمي يعني القضاء أو الحد من المشكلات التي تواجهها الدول النامية والفقيرة كالفقر والجهل والتخلف والمرض؛ ولذلك يهتم القائمون حاليًّا على دراسات البحث العلمي بتلك المناطق النائية، وإجراء أبحاث شاملة من أجل الوصول إلى نتائج مرضية لتلك الدول، تستطيع من خلالها القضاء على مشكلاتها.
وشدد الدكتور بجامعة الأزهر على دور الجامعات العامة والخاصة، بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى المعاهد، في الاهتمام بالطلاب، وإخراج كوادر وعناصر منظمة ومدربة ومهيأة لكي تستطيع إجراء مثل هذه البحوث بأسهل الطرق؛ حتى ننهض بالأمة العربية والإسلامية، مشيرًا إلى أن دور العلم في هذا الصدد لا يمكن إغفاله؛ حيث إن دور العلم جلي وواضح، وذلك من خلال تحضر المجتمعات، والمساعدة على تطور الأبحاث العلمية للاستفادة منها، كما أن للتكنولوجيا الحديثة دورًا لا يمكن إنكاره؛ حيث إنه الخطوة الثانية بعد أهمية العلم، حيث إن العلم هو الخطوة الممهدة التي تسبق التكنولوجيا الحديثة، فهي تؤثِّر على نتائج البحث العلمي بالإيجاب.
أهمية العلم في الإسلام:
ويرى الدكتور محمد السيد – أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر – أن فوائد العلم لا تنحصر في الأمور الحياتية وفي تقدم الأمم فقط، فله فوائد أيضًا كثيرة جدًّا في الإسلام، حثنا عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصالحون من بعده، ففضائل العلم كثيرة، والحث على التعلم من الأمور التي أمرنا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نتبعها، مشيرًا إلى أن فضل العلم لا يقتصر على الآخرة فقط؛ أي: إنه لا ينفع في الآخرة فقط، بل يمتد نفعه للمؤمن في الدارين، ويزيد أجره عند الله، كما أنه يرفع شأن المؤمن عند خالقه – سبحانه وتعالى – وعند الناس، ومن فضل العلم ومزاياه أن نفعه لأهله لا يقتصر على ثواب الآخرة وحدها، بل ينفعهم في الدارين، ويجمع لهم بين الحُسنَيَيْنِ، ويرفع درجاتهم عند الله، وعند الناس، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201] قال الإمام الحسن البصري: هي العلم والعبادة، وفي الآخرة حسنة، قال: هي الجنة، ولا ننسَ أننا أمة (اقرأ)، وهي أول ما نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث حثه المولى – عز وجل – على القراءة والتعلم وتحصيل العلم الجاد.
وأضاف السيد: إن الله يرفع بالعلم أممًا ويجعلها أعلى الأمم وسادة العالم، كما كان في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقرون الأولى؛ حيث كان العالم كله يتعلم من العرب العلم، ولكن انقلبت الآية رأسًا على عقب، فالمسلمون في هذا الوقت يسافرون إلى آخر بلاد العالم؛ لكي يتلقوا العلم من الدول الغربية التي لا علاقة لها بالإسلام، وبعد انتقال النبي الكريم إلى جوار ربه، وجدنا أن العلماء من بعده اهتموا بالعلم، وطلبوه، وجعلوه من أولويات حياتهم بعد الفريضة؛ فعن ابن القاسم قال عن الإمام مالك: “سمعت مالكًا يقول: إن قومًا ابتغوا العبادة، وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأسيافهم، ولو ابتغوا العلم، لحجزهم عن ذلك”، وأيضًا الشافعي – رحمه الله تعالى – قال: “ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم”، كما نبه رسولنا الكريم على أهمية العلم، وأن ضياعه يعنى ضياع الأمم، وجعله من علامات الساعة، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل))، وفي رواية: ((يقل العلم، ويكثر الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
الكاتب أحمد الشايب
نشر في 16/1/2014 ميلادي – 14/3/1435 هجري على موقع الألوكة