اليوم العالمي للبقول
منذ عام 2016، يعدّ اليوم العالمي للبقول المنظم في كل عاشر من فبراير ، فرصةً جديدة لزيادة الوعي العامّ بالمنافع الغذائية التي يوفّرها تناول البقول. فالبقول ليست مجرّد بذور مغذية، وإنما هي تساهم في أنظمة غذائية مستدامة وفي عالمٍ خالٍ من الجوع. و قد احتفل العالم سنة 2016 بالسنة الدولية للبقول اعترافا بدورها المهم في التوازن الغذائي و للتشجيع على اعتمادها في التقاليد اليومية للشعوب و الحث على تطوير زراعتها من أجل ضمان الأمن الغذائي المستدام كما و كيفا .
ما هي البقوليات
تنتمي البقوليات إلى العائلة النباتيَّة، وتُعتبر من أهم الأغذية النباتية لكلٍّ من الإنسان والحيوان، ونَظرًا للتنوُّع الكبير في طريقة زراعتها واستخداماتها، يُمكن تعريفها بشكل عام باعتبارها أى نبات له ثمار صغيرة، محاطة بجراب أو قشرة هشة، وغالبًا ما يُمكن فصلها إلى نصفين.
أنواع البقوليات
تتكوَّن جميع البقوليات من بذور وقشور، وتكون البذرة أحيانًا مُعلَّقة بداخل القشرة. وغالبًا ما يأكل الناس البذور، لكن في بعض الأحيان تُؤكَل القشور أيضًا، إذ يُعتبر الفول الأخضر مثالًا للبقوليات التي تؤكَل بقشرتها أو بدونها.
ويوجد من النباتات البقوليَّة ما يزيد عن 18.000 نوع، يختلف كل منها عن الآخر. لكن على الرغم من هذا، هناك نوعين من هذه النباتات هما أكثر هذه الأنواع انتشارًا واستهلاكًا؛ وهما الحبوب البقولية والبقوليات العلفية.
1- البقوليَّات العلفية:
توجد عادةً في الحقول، فمنها ما يتم زراعته، ومنها ما ينمو بشكل عشوائي، ومن أمثلتها البرسيم. إذ تنمو عادة الثمار الصغيرة تحت الأرض، أمَّا الأوراق والزهور فتنمو لأعلى. ويقوم عادةً المُزارعين بزراعة هذا النوع من البقوليَّات لإطعام الماشية والدواجن الخاصة بهم.
2 -الحبوب البقولية:
ينمو هذا النوع من البقوليات ليكون صالحًا للاستهلاك الآدمي. وتختلف الحبوب البقولية عن بعضها البعض من حيث الشكل والنوع وطريقة الاستهلاك. ومن أمثلتها الفول السوداني الذي تنمو ثماره تحت الأرض مثل مُعظم البقوليًّات، في حين يُعتبر الفول الأخضر مثال للبقوليَّات التي تنمو ثمارها فوق الأرض.
فوائد البقوليات
وأكد علماء جامعة كولورادو في كولورادو سبرينغز، أن البقوليات يمكنها عمليا منع حدوث النوبات القلبية. لأن تناولها يزيد من نشاط الجسم المضاد للأكسدة.
وتوصل العلماء إلى هذا الاستنتاج بعد سلسة تجارب بمشاركة البشر والحيوانات. وتضمنت المرحلة الأولى دراسات مخبرية للفئران والجرذان التي تعاني من الوزن الزائد، حيث باتت تتغذى على البقوليات بشكل أساسي، وبعد فترة، انخفض مستوى الكوليسترول في دمائها.
ودرس الباحثون في المرحلة الثانية مشكلات القلب والسكري، واتضح أن تناول البقوليات مفيد جدا في هذه الحالات. حيث تحسن عمل القلب لدى مرضى السكري.
وتؤكد نتائج هذه الدراسة من جديد على فوائد البقوليات لصحة الإنسان، فقد سبق أن نصح الأطباء بتناول وجبة من الفاصوليا أو البازيلاء أو غيرها من البقوليات كل يوم، لأنها تعزز صحة الجسم، وتحمي من ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى الكوليسترول ومن السرطان وتساعد في تأخير الشيخوخة .
البقوليات في بلاد المسلمين :
لعل العديد من حقب الحضارة الاسلامية عرفت اعتماد المسلمين في نمطهم الغذائي على الحكامة و الذكاء و التقدير العلمي في اختيار الحمية المفيدة . و كان لأهمية الحفاظ على الجسد و حمايته من كل مرض و مكروه دورا مهما في اختيار الغذاء المناسب كركيزة من ركائز المقاصد الاسلامية للدين التي تسعى في أحد مقاصدها الحفاظ على النفس و الجسد .مع أن حياة المسلمين و نظرا لاعتمادها على البساطة و الزهد كانت تفرض الى حد ما التقيد بكل الأغذية المفيدة و المتناولة للجميع بأرخص التكاليف المادية .فلكل تلك الاعتبارات اعتمد المسلمون في أحقاب عديدة على أكل البقوليات و تخزينها خصوصا الفول و الحمص و العدس الى غير ذلك بحيث شكلت أساس الوجبات الغذائية لقرون حسب المؤرخين ، بالاضافة الى القمح و الشعير و الثمر من بين ما هو شائع من الحبوب الضرورية في التقليد الغذائي للمسلمين . و نظرا لوصول الحضارة الاسلامية الى المغرب كان اعتماد المغاربة على أكل الفول و العدس أمرا طبيعيا و روتينيا مثل العمود الفقري لأغلب الوجبات في العديد من حقب الحضارة المغربية . بل و إلى وقت قريب كانت أغلب المدن العتيقة في فاس و مراكش و تطوان و غيرها من المدن ممتلأة بمطاعم شعبية تقدم لزبنائها حساء الفول ( البيصارة) منذ الصباح الباكر إلى غروب الشمس و بأثمنة جد مناسبة تضمن الأمن الغذائي لكل الفئات الشعبية دون حصر، و تفرض نمطا غذائيا راقيا كما و كيفا .فلقد أظهرت الدراسات التي قام بها خبراء و باحثون مغاربة و غيرهم أن حساء الفول هو غذاء كامل بل مثالي ، غني بالبروتينات و الألياف و الفيتامينات لا تحتاج معها لمكمل أخر. و هو ما ينم على اختيار ذكي للمغاربة على مدى عصور قد لا تستوعبه الأجيال الحالية بسهولة اليوم ، إلا باستبيان و برهان ضامغ عند ضرورة الاقناع.
هاته المطاعم لا زال العديد منها يشتغل الى يومنا هذا و بكل نشاط رغم أن أعدادها قل بسبب التغيرات و التطورات الاجتماعية و الثقافية للمغاربة و التي أصبحت تحت التأثيرات الاعلامية و التكنولوجية و ظروف العمل و الضغط اليومي ، تجر عددا ليس بالهين ، إما قهرا أو اختيارا إلى تقليد أنماط غذائية غربية ، بعيدة كل البعد عن التقاليد ، تعتمد خصوصا على استهلاك الوجبات السريعة و ما لها من مخاطر كبيرة على الصحة.
ماذا نستفيد من هذا التخليد
بموجب القرار A/RES/73/251، قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يخلد يومَ 10 شباط/فبراير يوماً عالمياً للبقول، لتأكيد مساهمة البقول في الزراعة المستدامة وتحقيق خطة عام 2030 للتنمية المستدامة .
لكن ما يهمنا نحن كمسلمين و مغاربة أو غيرهم بالإضافة لذلك أن نعلم علم اليقين أن عيش أجدادنا كان صائبا و سليما و ذكيا من حيث الاختيار الغذائي و لم يكن أبدا ارتجاليا أو اعتباطيا بالضرورة ، كما قد يريد البعض أن يوهمنا لتبخيس الإرث الحضاري . رغم التخلف الذي قد تعرفه نماذجنا الاقتصادية و الاجتماعية اليوم و التي صحيح ، تتطلب دون شك اصلاحا عميقا يعيدنا الى صفوف الشعوب العظيمة . الاستفادة الثانية هو دعوة الجهات المسؤولة في بلادنا إلى الانتقاد البناء و إعادة النظر ، كما هو الأمر بالنسبة للعديد من القطاعات ، في أساليب التغذية الصحيحة للمواطنين ( الصغار خصوصا ) و ارشادهم بكل الوسائل الاعلامية و غيرها الى الاختيار الأمثل لوجباتهم و التشجيع على الاستهلاك الذكي و المثالي لكل أنواع البقوليات التي من المفروض أن تملأ مكانها الشاغر على موائدنا باستحقاق ، ليس كإختيار بل كضرورة لبناء الصحة الجيدة و العقلية و النفسية للمواطن الصالح و لبناء أجيال قوية قادرة على تحمل تحديات الطموح إلى النهضة الاقتصادية و الاجتماعية التي عمادها الإنسان أولا.
جدوعة رشيد 9 فبراير 2019