1 التعليم أولا :
في غضون عقود قليلة، حققت سنغافورةإنجازات هائلة جعلت منها دولة متقدمة. إلا أن الإنجاز الحقيقي الذي حققته هذه الجزيرة الصغيرة هو تطوير نظام تعليمي يعتبر أحدَ أرقى أنظمة التعليم في العالم بلا نزاع. حيث مكنها نظامها التعليمي من تكوين كفاءات وخبرات ساهمت في بناء اقتصاد البلد.
لقد فهمت سنغافورة أنها لا تملك أية موارد طبيعية تساعدها على تحقيق نموّ اقتصادي. فهي دولة في مدينة واحدة، مع جزر صغيرة جدا من جوانبها. فاختارت سنغافورة أن تركز على رأس المال الحقيقي الذي تملكه، والذي اعتمدت عليه في تحقيق معجزتها الاقتصادية : الإنسان
2 ـ مميزات نظام التعليم في سنغافورة
يعتبر نظامُ التعليم في سنغافورة واحدا من أفضل أنظمة التعليم في العالم. كما تعدّ التجربة السنغافورية في التربية والتعليم من التجارب الرائدة التي تستحق الوقوف عليها والتوقف عندها من أجل الاستفادة منها. وتكمن مهمة التربية والتعليم في تكوين وبناء الإنسان السنغافوري، لتجعل منه عنصرا قادرا على المساهمة في تطوير مستقبل بلده. حيث تسعى وزارة التربية والتعليم إلى مساعدة الطلبة على اكتشاف مواهبهم، واستغلال طاقاتهم بأفضل شكل ممكن، والتعلم أكثر، وتحقيق نتائج جيدة. كما تتوفر سنغافورة على نظام تعليمي جد متقدم، وعلى معاهد متطورة، ومكونين وأساتذة أكفاء، وتجهيزات وبنية تحتية متطورة. ويوفر التعليم لجميع الطلاب فرصا عديدة ومتنوعة لتنمية قدراتهم ومواهبهم. كما أنه يتميز بالمرونة الكافية التي تمكن الطلبة من توظيف كامل إمكانياتهم.
لقد اعتنت الحكومة السنغافورية عناية بالغة بالتعليم، باعتباره ركيزة أساسية للتقدم والتفوق، وخصصت له خمس ميزانية الدولة. ففي سنة 2006، بلغت نفقات الحكومة السنغافورية على التعليم 7 مليار دولار سنغافوري. وفي سنة 2007، وصلت إلى أكثر من 7.5 مليار دولار سنغافوري، أي حوالي 15.2% من ميزانية الحكومة. وقد لفت النظام التعليمي السنغافوري الأنظارَ، حين نجح الطلاب السنغافوريون في بلوغ مراكز جد متقدمة في مسابقات الرياضيات العالمية، خاصة أنهم فازوا بمسابقة(TIMSS) العالمية للرياضيات والعلوم للأعوام 1995، 1999 و2003. لقد حفزت هذه النتائج دولا عديدة، منها الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة أسرار تفوق الطلاب السنغافوريين في الرياضيات، للاستفادة من التجربة السنغافورية في التعليم في تصميم المناهج، وتطوير طرق التدريس، وإعداد الأساتذة المتمكنين الذين يسهمون في صقل المواهب وتنمية القدرات.
تهدف برامج التعليم إلى إعطاء المتعلمين فرصة تطوير قدراتهم وكفاءاتهم وشخصيتهم وقيمهم، كي يساهموا في تقدم سنغافورة. وخلال السنوات الأخيرة، عملت سنغافورة على جعل نظامها التعليمي أكثر مرونة واستجابة لاختيارات الطلبة. حيث يتمثل الهدف من ذلك في منح الطلبة اختيارات أوسع تتلاءم مع كفاءاتهم وطاقاتهم. فعندما يكونون قادرين على اختيار ماذا وكيف يتعلمون، فإنهم يستطيعون استغلال وتوظيف طاقتهم بأفضل شكل ممكن. إن هذا الأسلوبَ في التعليم يساعد على تزويد الطلبة بخبرات متعددة يحتاجون إليها في المستقبل. ويهدف النظام التعليمي بالأساس إلى مساعدة كل طفل على اكتشاف مواهبه، وعلى أن يكبر منذ المدرسة واثقا بنفسه وبقدراته. كما يهدف النظام التعليمي إلى مساعدة الناشئة على تطوير قدراتهم وصقل مواهبهم، في مجال العلوم والفنون والرياضة، وعلى تحقيق أحلامهم والنجاح في حياتهم. ويهدف النظام التعليمي كذلك إلى تكوين أجيال من القوى العاملة المدربة والمؤهلة أكاديميا، وتمكين الشباب من الالتحاق بسوق الشغل.
3ـ التعليم العالي في سنغافورة:
يعتبر التعليمُ من أهم أولويات الحكومة السنغافورية، وبشكل خاص التعليم العالي. ولا تسعى وزارة التربية في سنغافورة إلى الرفع من مستوى التعليم، لأنه يعد حاليا جد متقدم. ولكنها تسعى إلى الرفع من قدرته على التأقلم مع رهانات التنافسية العالمية. حيث تسعى الحكومة السنغافورية، منذ سنوات 1990، إلى جذب معاهد أجنبية ذات سمعة عالمية جيدة، عن طريق إنشاء مراكز تكوين لها في سنغافورة. والهدف من ذلك هو أن تصبح سنغافورة مركزا دوليا في التعليم، وتستقطب أكبر عدد ممكن من الطلبة الدوليين. ويشرف ” مجلس التنمية الاقتصادية ” على هذه السياسة.
إن النظام التعليمي السنغافوري جدّ متقدم، ولكنه أيضا جد انتقائي، حيث أن أقل من 25% من الطلبة يستطيعون الوصول إلى الجامعة. وبينما لا يبلغ عدد السكان في سنغافورة سوى 4,6 مليون نسمة (2007)، فإن أكثر من 20000 طالب سنغافوري يغادرون سنغافورة في كل سنة من أجل متابعة دراساتهم العليا في دول أخرى. ومن جهة أخرى، تطمح سنغافورة إلى استقبال 180000 متعلم من مختلف المستويات، من دول أخرى، في أفق سنة 2019 . يعتبر نظام التعليم العالي في سنغافورة واحدا من أفضل أنظمة التعليم في آسيا وعلى الصعيد العالمي. وفي سنة 2007، قدم 000 85 طالب من 120 بلدا للدراسة فيها. هناك أربع جامعات وطنية : جامعة سنغافورة الوطنية(NUS)، وجامعة نانيانغ للتكنولوجيا(NTU)، وجامعة سنغافورة للإدارة (SMU)، وجامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم.(SUTD) توجد جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة نانيانغ للتكنولوجيا بالقرب من المجمعات التكنولوجية التي توجد بها شركات متخصصة في التكنولوجيا العالية. أما جامعة سنغافورة للإدارة، التي تتخصص في التجارة والاقتصاد، فقد أنشئت في سنة 2005 على مساحة 4,5 هكتار في قلب المدينة، لتكون قريبة من مراكز الأعمال والبنوك. في حين أن جامعة سنغافورة للتصميم والتكنولوجيا، تم افتتاحها بحلول عام 2012.